العار كل العار .. لمن لا يصوت لمحمد أبو تريكة لأنه يلعب لأفريقيا و كفانا سيراً وراء أوروبا ، صرخة أطلقتها فتاة نيجيرية علي الهواء مباشرة يوم الجمعة الموافق السابع من يناير عند اتصالها للتصويت لاختيار أحسن لاعب أفريقي في استفتاء هيئة الإذاعة البريطانية BBC .
جاءت صرخة الفتاة النيجيرية في وقت تتجه فيه نتيجة الاستفتاء لإعلان مايكل إيسين نجم تشيلسي و منتخب غانا أحسن لاعب أفريقي في استفتاء BBC و بالفعل فاز مايكل إيسين بالمركز الأول بما يقارب ثلثي الأصوات و محمد أبو تريكة بالمركز الثاني بما يقارب ثلث الأصوات و ديديه دروجبا في المركز الثالث بنسبة ضئيلة لم تتعدي أربعة بالمائة من الأصوات ، في استفتاء تحكمت فيه لغة الحوار و أشياء أخري .
فقد نظمت هيئة الإذاعة البريطانية BBC استفتائها هذا العام بطريقة تختلف عن الأعوام الماضية ، ففي السابق كان الاستفتاء يتم عن طريق رسائل اليكترونية علي موقع BBC بقسميه العربي و الإنجليزي فتساوت الفرص للجميع و فاز بركات بالاستفتاء ، أما هذا العام فالاستفتاء تم علي مرحلتين ، الأولي عن طريق رسائل اليكترونية علي موقع BBC بقسميه العربي و الإنجليزي و عن طريقها تم اختيار ثلاثة لاعبين للتصويت النهائي بينهم عن طريق رسائل SMS و مكالمات تليفونية علي برنامج مخصص لهذا علي القسم الإنجليزي بالإذاعة مما قلل من نسب فوز أبو تريكة و دروجبا و رفع نسب فوز مايكل إيسين بالمركز الأول و كان أحري بهيئة الإذاعة البريطانية أن يكون البرنامج علي القسم العربي أيضاً ، فالقسم الإنجليزي لا يصل إلينا في مصر و شمال أفريقيا بالراديو ، و من المعروف أن غانا من الدول الناطقة بالإنجليزية بينما كوت ديفوار من الدول الناطقة بالفرنسية .
و لكن مهما كانت نتيجة استفتاء هيئة الإذاعة البريطانية BBC ففي النهاية هو واحد من عدة استفتاءات و تعد جميعها غير رسمية و تعد استفتاءات شرفية و لكن ينال الفائز بها شرفاً كبيراً .
الخطيب و تيمومي فازوا بالجائزة قبل الثورة الإعلامية
ما يهمنا جميعاً في مصر و أفريقيا هو الاستفتاء الرسمي الذي ينظم عن طريق الإتحاد الأفريقي لكرة القدم و الذي أسفر في مرحلته النهائية عن فوز ديديه دروجبا بلقب أحسن لاعب أفريقي برصيد 79 نقطة يليه صامويل إيتو برصيد 74 نقطة ثم مايكل إيسين برصيد 36 نقطة ، بعد أن أسفرت المرحلة قبل النهائية عن اختيار كل من ديديه دروجبا و صمويل إيتو و مايكل إيسين للدخول في التصفية الأخيرة ، مع استبعاد محمد أبو تريكة و نوانكو كانو من هذه المرحلة ، في مفاجئة غير متوقعة لجماهير الكرة المصرية خاصة و أفريقيا عامة .
و رغم فوز محمد أبو تريكة بجائزة أحسن لاعب في بطولات الإتحاد الأفريقي للأندية إلا أن المفاجئة الأكبر كانت فيما تردد عن أن استبعاد محمد أبو تريكة من استفتاء أحسن لاعب أفريقي كان لأن المدربين الأفارقة لا يشاهدوه بينما شاهدوا دروجبا و إيسين و إيتو ، و مبعث الدهشة أن مجلة فرانس فوتبول الفرنسية عندما كانت تتولي مسئولية اختيار أحسن لاعب أفريقي و تمنحه الكرة الذهبية لم يكن هناك انتشار للفضائيات و شبكة الإنترنت كما هو الحال الآن ، و رغم هذا كان يفوز بالاستفتاء لاعبين من كافة أرجاء القارة الأفريقية سواء محترفين بأوروبا أو في داخل القارة الأفريقية ، و منهم محمود الخطيب و محمد تيمومي و رباح ماجر و فراس أحمد و طارق دياب و عبد الرزاق كريم و روجيه ميلا و كالوشا بواليا و بادو الزاكي و غيرهم ، و كان للتأثير علي الكرة الأفريقية العامل الأول في الاختيارات .
فأيهم أشهر إعلامياً و من الذي شاهده أبناء القارة السمراء في بطولات عديدة ؟ ، كم مباراة كان شاهدها مدربو أفريقيا في السبعينات و الثمانينات لنجوم أفريقيا مقارنة بما يشاهدونه الآن ؟ ، إن هذا المبرر الذي سمعناه من مسئولين في الإتحاد الأفريقي كافي تماماً للقول أن من يختار أحسن لاعب أفريقي غير موضوعي علي الإطلاق و تتحكم فيه الأهواء ، فكيف يعطي الإتحاد الأفريقي حق التصويت لمن لا يشاهد من سيقوم بالتصويت له أو عليه ؟ ، بل و يدل بما لا يدع مجال للشك أن طريقة التصويت نفسها يجانبها العدل و الإنصاف من البداية للنهاية .
كيف رشح الكاف الخمسة لاعبين ؟
ففي بداية الاستفتاء يقوم خبراء الإتحاد الأفريقي بترشيح عدد من اللاعبين و بعد مداولات بينهم يستقر الحال عند خمسة لاعبين يتم إعلان أسمائهم و من ثم يطلب من مدربي المنتخبات الوطنية في أفريقيا التصويت لاختيار أحسن لاعب أفريقي ، و بالفعل رشحوا كل من ديديه دروجبا و صمويل إيتو و مايكل و محمد أبو تريكة و نوانكو كانو .
إذن فمن رشح الأسماء الخمسة هو الإتحاد الأفريقي و خبراءه و ليس مدربي منتخبات أفريقيا ، و هنا يجب أن نقف لنبحث في هذا الأمر الهام للغاية و الذي يوضح أن الجائزة يتم توجيهها من قبل الإتحاد الأفريقي نفسه قبل أن يشرك مدربي المنتخبات الأفريقية فيها ، و نعلم و نقرأ كثيراً من مسئولي الإتحاد الأفريقي عن سعيهم الدءوب لرفع مستوي الكرة الأفريقية بل و دائماً ما يساعد الدول الفقيرة علي تنظيم بطولة كأس أفريقيا للمنتخبات حتى يتم إنشاء ملاعب و إستادات من أجل الارتفاع بمستوي الكرة في هذه الدول .
ما هي مبررات خبراء الإتحاد الأفريقي لاختيار نوانكو كانوا في قائمة الخمسة لاعبين الأحسن في أفريقيا 2006 و ما هي إنجازاته علي أي صعيد في عام 2006 ؟ ، كيف يتم وضع اسم مايكل إيسين لاعب منتخب غانا و نادي تشيلسي الإنجليزي الذي لم يلعب بطولة كأس أفريقيا للمنتخبات 2006 بالقاهرة بسبب الإصابة و لم يكن مؤثراً مع منتخب غانا في نهائيات كأس العالم 2006 بألمانيا ؟ ، و للعلم فلو لم تكن هناك إصابة لإيسين فلم يكن سيشارك إلا في مباريات الدور الأول باتفاق بين مسئولي منتخب غانا و نادي تشيلسي كما نشر في 29 ديسمبر 2005، و هذه هي المشكلة الدائمة التي تواجهها منتخبات أفريقيا مع أندية أوروبا حين تستعين بلاعبيها في منافساتها الأفريقية ، أما صمويل إيتو ففي النصف الأول من 2006 شارك مع منتخب بلاده في كاس أفريقيا للمنتخبات و خرج من دور الثمانية و أصيب في النصف الثاني من عام 2006 و لم يعد للملعب إلا في فبراير الماضي .
أبو تريكة و فلافيو الأكثر إنجازاً
كيف يتم إبعاد محمد أبو تريكة عن التصفية النهائية بحجة أن التصويت له كان ضعيفاً لأن المدربين لم يشاهدوه و هو الذي ساهم في فوز منتخب مصر بكأس أمم أفريقيا 2006 ، و فاز مع النادي الأهلي ببطولة كأس السوبر الأفريقي و بطولة دوري أبطال أفريقيا و كان هداف البطولة و توج مسيرته فيها بهدف لن تنساه أفريقيا في مباراة النهائي مع النادي الصفاقسي التونسي ، و كان أوج تألقه في بطولة كأس العالم للأندية التي كان لأهدافه فيها الدور الحاسم في فوز النادي الأهلي بالمركز الثالث و الميدالية البرونزية بل و كان هداف البطولة .
كيف يتم تجاهل أمادو فلافيو في اختيارات خبراء الإتحاد الأفريقي لعام 2006 و هو اللاعب الذي ساهم في كل الإنجازات القارية و العالمية لناديه و منتخب بلاده ؟ ، فهو هداف أنجولا في نهائيات كأس أفريقيا 2006 بثلاثة أهداف ، و أحرز هدف بلاده الوحيد في تاريخ نهائيات كأس العالم ، و أحرز مع النادي الأهلي أهدافاً مؤثرة في بطولتي دوري أبطال أفريقيا و كأس العالم للأندية و تسببت أهدافه في الفوز ببطولة دوري أبطال أفريقيا و المركز الثالث و الميدالية البرونزية في كأس العالم للأندية .
بينما كان إنجاز ديديه دروجبا هو مساهمته الفعالة بأهدافه المؤثرة مع منتخب كوت ديفوار للوصول إلي نهائي كأس أفريقيا للمنتخبات و التأهل لنهائيات كأس العالم و لكن مستواه في كأس العالم كان مخيب للآمال و قال هنري ميشيل المدير الفني لمنتخب كوت ديفوار وقتها عن مستواه: لقد خذلنا دروجبا ، و رغم هذا فكان له حضوره الفعال في جملة مشاركاته مع منتخب كوت ديفوار .
هكذا كانت الاختيارات الخمسة لخبراء الإتحاد الأفريقي لكرة القدم و التي طلب من مدربي منتخبات أفريقيا التصويت عليها ، اختيارات افتقدت تماماً للموضوعية و أثبتت أن استفتاء الإتحاد الأفريقي لأحسن لاعب أفريقي تحول إلي استفتاء لأحسن لاعب أفريقي يلعب في أوروبا ، و لو أن الجائزة لأمهر لاعب لفاز رونالدينيو حتى الاعتزال بجائزة أحسن لاعب في العالم عشرة سنوات متتالية ، و ما كان كانافارو سيفوز بجائزة أحسن لاعب أوروبي مطلقاً فهناك من هو أمهر منه بمراحل .
استفتاء قتل الطموحات
ما حدث في استفتاء أحسن لاعب أفريقي في عام 2006 حدث بشكل آخر في استفتاء 2005 و حرم الإتحاد الأفريقي و خبراءه لاعبين كانوا السبب الرئيسي في الارتقاء بكرة القدم في بلادهم من الترشيح لاستفتاء أحسن لاعب أفريقي ، كان إيمانويل أوديبايور نجم منتخب توجو و نادي الأرسنال الإنجليزي سبباً رئيسياً بأهدافه الثمانية في أن يتأهل منتخب توجو للمرة الأولي في تاريخه إلي نهائيات كأس العالم 2006 بألمانيا ، و كان أمادو فلافيو نجم منتخب أنجولا و النادي الأهلي و معه فابيوس أكوا سبباً رئيسياً في تأهل أنجولا نهائيات كأس العالم 2006 بألمانيا ، و رغم هذا لم يفز أي منهم بأي مركز من المراكز الثلاثة الأولي في استفتاء 2005 ، بل لم يرشح منهم للاستفتاء إلا إيمانويل أوديبايور مع مايكل إيسين الذي ساهم مع منتخب غانا في الصعود لنهائيات كأس العالم 2006 بألمانيا و صمويل إيتو و تم تجاهل دروجبا الذي كان سبباً رئيسياً في تأهل كوت ديفوار لنفس البطولة ، و أعطيت الجائزة في النهاية لصمويل إيتو للعام الثالث علي التوالي ، و تجاهلوا النجوم التي ساهمت مع منتخبات بلادها في تقدم الكرة فيها .
كيف يتم تجاهل أمثال هؤلاء اللاعبين الذين ساهموا بقدر كبير في الارتقاء بالكرة الأفريقية و بلادهم و يتم اختيار آخرين لم يكن لهم التأثير المماثل علي الكرة الأفريقية ؟ ، إن ما يجري هو قتل للطموحات الكبيرة لكل لاعب يثري الكرة الأفريقية و يساهم في تقدمها ، و لم لا و قد أصبح معيار الاختيار لأحسن لاعب أفريقي هو أين يلعب في أوروبا ، و كأن أفريقيا أصبحت تسير في فلك أوروبا كما أشارت الفتاة النيجيرية .
الغريب أن هناك من قال أن أبو تريكة خرج من الاستفتاء لأنه يلعب في الدوري المصري بينما يلعب منافسوه في الدوريات الأوروبية ، فهل نحن في مقارنة بين الدوريات في أفريقيا و أوروبا ؟ ، أم أن المنافسة بين اللاعبين و تأثيرهم في أنديتهم و منتخباتهم في منافسات و بطولات القارة السمراء و التي تسببت في رفع مستوي الكرة فيها ؟ ، هذا هو السؤال المهم ، هل نعطي جوائز أفريقيا للاعبين يساهمون في رفع مستوي الكرة الأوروبية و نتجاهل من يرفع و يساهم بقوة في تقدم الكرة الأفريقية ؟ ، و العجيب أن أي لاعب يلعب في الدوريات الأوروبية يدخل في استفتاء أحسن لاعب أوروبي و سبق لليبيري جورج وايا أن فاز بجائزة أحسن لاعب أوروبي اعترافا من الإتحاد الأوروبي بدوره الكبير في الكرة الأوروبية ، هكذا يفكرون في أوروبا ، و هكذا يفكر مسئولي و خبراء الإتحاد الأفريقي لكرة القدم ، و المثير أكثر أن الإتحادين الأسيوي و الجنوب أمريكي يعطى جائزة أحسن لاعب للاعبين يلعبون داخل القارة و آخرهم لاعب من قطر في آسيا و لاعب من تشيلي في أمريكا الجنوبية .
بل إن هناك سؤال أهم .. هل كان للتكتلات السياسية الأفريقية دور كبير في اختيارات الإتحاد الأفريقي ؟ ، هل كان لتكتلات الكومنولث و الفرانكوفون دورها في تحويل مسار الجائزة سنوياً ؟ ، فمسار الجائزة في السنوات الأخيرة يدل علي أن السياسة و التوازنات الإقليمية و الميديا الإعلامية و شركات الدعاية و الإعلان أصبح لهم دور كبير في تحويل مسار الجائزة في أحيان كثيرة لمن لا يستحق .
ما قيمة مسابقات الإتحاد الأفريقي ؟
ما هي قيمة مسابقات الإتحاد الأفريقي التي ينظمها علي مستوي المنتخبات و الأندية طالما يشعر خبراءه أنها لا تفرز لاعبين يستحقون أن يكونوا الأفضل في أفريقيا مقارنة بلاعبين أغلبهم غادر أفريقيا في سن صغيرة بل أن منهم من لم يعرف بلاده إلا عندما انضم لمنتخبها لأنه ولد و نشأ في أوروبا ، و هل يكفي نجوم أفريقيا جائزة أحسن لاعب في دوري أبطال أفريقيا ؟ ، إن ما يحدث من خبراء الإتحاد الأفريقي يعد بمثابة عدم احترام لبطولات و منافسات و مسابقاته ، و يجب إعادة النظر في نظام الاستفتاء حتى يعبر تعبيراً حقيقياً عن أفريقيا .
فهناك ثلاثة لاعبين أعتبرهم الأكثر إنجازاً و تأثيراً في عام 2006 علي المستوي الأفريقي و عدم اختيار أي منهم في القائمة النهائية يعد ظلماً كبيراً لأفريقيا و مسابقاتها و نجومها الذين ساهموا و لا زالوا في تقدم الكرة الأفريقية ، و هم محمد أبو تريكة و ديديه دروجبا و أمادو فلافيو ، الثلاثة كان لهم النصيب الأكبر في التأثير علي نتائج أنديتهم و منتخبات بلادهم و كان يجب علي الإتحاد الأفريقي و خبراءه أن يضعوا أسساً سليمة لاختياراتهم و من ثم تخرج هذه الاختيارات للتصويت عليها علي أساس التأثير الفعلي للاعبين في الكرة الأفريقية .
أما أن يكون أساس الاختيار منحصر في اسم النادي الأوروبي الذي يلعب فيه أو سعر اللاعب أوروبياً فهذا أمر غير موضوعي و غير منطقي لأن هذه الأسس تعتبر شخصية للاعب و لا تؤثر علي الكرة الأفريقية إلا بقدر قليل للغاية ، و أري أن يستخدم الإتحاد الأفريقي نفس الأسس التي كانت مجلة فرانس فوتبول تستخدمها من قبل بأن يكون التصويت عن طريق خبراء الكرة و المحللين و النقاد الرياضيين المطلعين و المهتمين بالكرة الأفريقية ، بعد أن يتم اختيار خمسة لاعبين بناء علي أسس سليمة تضع في الاعتبار تأثير اللاعب و مساهمته الفعالة في رقى و تقدم الكرة الأفريقية و ليس الأوروبية .
لا تحزن يا تريكة .. فالجائزة لن تذهب للأفضل
و في النهاية أقول لمحمد أبو تريكة ... لا تحزن فخروجك من الاستفتاء لم يكن لأنك تلعب في مصر ، و إنما تحكمت فيها أسباب غير موضوعية أو منطقية ، تسبب فيها التعصب القبلي الأفريقي ، تسببت فيها الميديا الإعلامية ، و حتى لو كنت تلعب في أوروبا ما كنت ستفوز بها من وجهة نظري الخاصة فما سبق من مقدمات كان سيؤدي لنفس النتيجة ، و ما حدث في بطولة كأس العالم للأندية من تجاهلك بعد أن أخبروك أنك ستفوز بالمركز الثالث كأحسن لاعب ليس ببعيد .
موضوع: العار كل العار .. لمن لا يصوت لأبو تريكة لأنه يلعب لأفريقيا 
